طريقُ “المجهول” باتَ أكثر وضوحاً في ليبيا، مع تصاعد صراع المحاور الدّولية والإقليمية التي تبحثُ، حسبِ مُنطلقاتها ودفوعاتها السّياسية ومَصالحها الحيوية، عن مخرجات الأزمة التي تهدّد بحربٍ طويلة الأمد في المنطقة، بينما نأى المغرب بنفسهِ عن “متاهات” هذا الملف الذي يبدو أنّه دفعَ الرّباط إلى تبنّي خيار “الحياد” والاكتفاء بمراقبة الوضع من بعيد.
ومنذ بداية الأزمة اللّيبية، سَعى المغرب إلى تقريب وجهات نظر بين جميع الأطراف عبر مجموعة من المفاوضات التي احتضنتها الصّخيرات. وقد نتجت عن هذه الاجتماعات العديد من المخرجات التي كانت تصبُّ في اتجاه دعم المرحلة الانتقالية وعدم وصول ليبيا إلى المجهول.
وقد اسْتمرت الجهود المبذولة من قبل المغرب لمواجهة المخاطر التي تهدّد المنطقة ككل، سواء من قبل التنظيمات الإرهابية أو مشكل الهجرة. كما دعت جامعة الدول العربية إلى دعمِ الجهود والمخارج التي سلكتها مفاوضات الصخيرات في مسار تعزيز الأمن في ليبيا.
ضبابية المواقف
يرى الباحث في العلوم السياسية شرقي خطري أنّ “المغرب استمرّ على هذا النّهج عبر التّنسيق مع مختلف الفاعلين، سواء في المنتظم الدّولي أو مع اللاعبين الرّئيسين في الأزمة، خاصة مع ضبابية موقف بعض الدول من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، ومن قوات حفتر المدعومة من طرف عدة أطراف”.
ويذهب الباحث في تحليلهِ إلى أنّ “الإستراتيجيات الجديدة المتبعة أدّت إلى بروز سيناريوهات كانت مستبعدة؛ ودفعت المغرب إلى الانسحاب من السّاحة اللبيبة، خاصة مع جملة التهديدات غير التّقليدية والحدود اللّينة والسّائبة التي تستهدفُ بث الخوف والرّعب واستخدام القوى المسلحة لإسقاط الحكومة المعترف بها دولياً”.
ويشيرُ الباحث ذاته إلى أنّ “المعضلات والمخارج الجديدة بإرسال قوات وإنشاء قواعد عسكرية من شأنها أن تؤدي بليبيا إلى المجهول، وتقويض السّيادة الداخلية وربطها بجهات خارجية، سواء من طرف الحكومة عبر اتفاقها مع تركيا أو المعارضة المسلحة التي تدعمها مصر وأطراف أخرى”.
واعتبر المحلل المغربي أنّ “إستراتيجيات المواجهة في لبيبا أضحت إما مسلكاً أو حاجزاً لتصريف الأزمات بين عدة دول، ومنطقة جديدة للتهديدات غير التقليدية”، وزاد: “تبعات هاته الأزمة يمكنها أن تدفع إلى إذكاء صناعة الإرهاب والتطرف العابر للحدود”.
فخّ المحاور
يرى الباحث في العلوم السّياسية إلياس الموساوي أنّ “الأزمة الليبية دخلت في متاهات وتشعّبات عدّة بعد زحْف قوّات المشير خليفة حفتر باتجاه السّيطرة على طرابلس”، معتبراً أنّ “هذه التّطوّرات وغيرها جعلت من اتفاق الصخيرات الذي وقّع يوم 15 يوليوز 2015 كأنّه من العدم، ما دَامَت ضراوة المعارك تزْدادُ على الأرض”.
وبعدما توقّف عند تصارع عدد من القوى الإقليمية والدّولية في السّاحة الليبية، أكّد الموساوي أنّ “الموقف المغربي لازالَ غامضا، رغم تأكيده في مناسبات عدة أنه لازال متمحوراً على ضرورة احترام تفاهمات الصخيرات”.
واعتبر الباحث السّياسي أنّ “المواقف التي خرجت بها جامعة الدول العربية لا تعبّر عن الموقف المغربي من الأزمة الليلية”، موضّحاً أنّ “المغرب ارتأى أن يؤجّل إصدار مواقف واضحة من “اللخبطة” التي يعرفها الوسط الليبي، تجنباً لوقوعه في فخّ المحاور التي تخدم دولا على حساب أخرى”.