يُعرّف المجتمعون في المؤتمر العام للأمم المتحدة، المنعقد في مكسيكو سنة 1982، حول السياسة الثقافية، الثقافة بأنها: «مجموع السّمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي تميّز مجتمعا معيناً، أو فئة اجتماعية بعينها؛ وهي تشمل الآداب، والفنون، وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونُظُمَ القيم والمعتقدات». وبالتمعن في هذا التعريف، نجد أنه يركز على الجانب الهُوياتي، المتعلق بالمعتقد الجمعي، أو بالانتماء إلى أمة ما، والفكري، بإنتاجه العقلي والفلسفي، ثم العاطفي، المرتبط بالإنتاج الإبداعي، مسرحاً، وسينما، وقصة، وشعراً، وتشكيلاً، وموسيقى… وهنا تكون الثقافة هي صانعة الحياة بامتياز، تمتلك الحياة بفضلها جاذبية وسحراً وإغراءً؛ فالمجتمع الذي يمتلك شعراء ومفكرين ومسرحيين وسينمائيين، يستطيع أن يصوغ له حياة جديدة تغري بالعيش، ومتى غاب هؤلاء عن المشهد، يصبح المجتمع ميتاً، والوطن مقبرة دونها الموت.
يجدر التذكير أن الشباب كان دوما في طليعة النخب السَّاعية إلى التغيير، وتمكنت من ذلك بالفعل، وأحدثت رَجَّةً في المشهد السياسي العربي في الآونة الأخيرة. فبالنظر الى التظاهرات الاجتماعية أيّا كان محركها أو هدفها تجد الشباب أول دافع لها وأول متحرك لها.
مارس الشباب العربي ثقافة نقدية معارضة ومشاكسة على الدولة والمجتمع؛ حيث أصبحت هذه المنصات بديلا حقيقياً عن الانتماء للحزب والنقابة والجمعيات، والهياكل التي كانت مؤثرة في السابق، وبدا واضحاً أن «تدوينة» مقتضبة من بضعة أسطر، في صفحة من تلك الصفحات التواصلية، تستطيع أن تجمع حولها آلاف الإعجابات والتعاليق، وأن تخلق نقاشاً حقيقياً صادقاً وحارقاً. وفي المقابل تمت إقامة وحدات سجنية، تضاف إلى السجون المعروفة (في سنة واحدة، هي سنة 2014، بني المغرب 14 سجناً). وأصبحت هذه السجون تأوي معتقلي الرأي، والناشطين؛ آخرهم ناشطو الحراك الشعبي في الريف، الذين يقبع الكثير منهم في سجن عكاشة في الدار البيضاء. هل الأمر إجابة عن مطالب الثقافة في إقامة بنيات تحتية من مسارح، وصالات عرض سينمائية، ومركبات ثقافية؟ حين صرخ المثقفون: «اِعطني مسرحاً أعطك شعباً متحضراً»، «اِعطني مسرحاً أغلق لك سجناً»، قامت الدولة فشَيَّدت عدداً كبيراً من السجون.