أفريقيا برس – المغرب. بعد نفي السلطات الاستعمارية سنة 1953 الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، اشتدت العمليات الفدائية التي كانت تقوم بها المقاومة، لكن رغم ذلك لم تستطع هذه العمليات التي كانت في الغالب فردية وغير منظمة التأثير على سلطات الحماية والمتعاونين معها.
ولجأت الحركة الوطنية بعد ذلك إلى التفكير في خلق تنظيمات سرية تتولى الكفاح المسلح ضد المستعمر ورموزه، فكان ظهور منظمة “اليد السوداء” وهي المنظمة التي كانت تعرف أيضا باسم “مجموعة سينيما ريو”.
وقررت المنظمة التي كان من بين أعضائها مولاي الطاهر، وأحمد الرشيدي، ومحمد الزرقطوني أن تبدأ تحركاتها ببعث رسالة قوية إلى المستعمر الفرنسي، وقررت قتل ثلاثة موالين لسلطات الحماية هم العربي المسكيني ومحمد بنيس والمقدم عبد الله الفاسي.
ومابين الرابع والخامس شتنبر من سنة 1953 قتل العربي المسكيني، وبعد يوم واحد قتل محمد بنيس، وبعد ثلاثة أيام قتل المقدم عبد الله الفاسي. فتفطنت فرنسا إلى أن المقاومة دخلت في مرحلة جديدة.
وخلال رأس السنة الميلادية قررت المنظمة بعث رسالة أشد قوت لسلطات الحماية، وكانت حادثة قنبلة السوق المركزي بالدار البيضاء التي زرعت الهلع والخوف في صفوف المستعمرين.
لكن المنظمة وقعت بعد ذلك في أخطاء فادحة، حسب ما يروي المجلد السابع من سلسلة “مذكرات من التراث المغربي”، اذ انفتحت على الكثير من الملتحقين دون احتياط، كما أنها لم تحترم أحد المبادئ الأولية للعمل السري وهو فصل الإطارات، وهو ما أدى إلى سقوط معظم أعضائها في أيدي الفرنسيين. فقد كانت الاعتقالات الأولى كافية لتمكين سلطات الحماية من كشف كل إطارات المجموعة، وتمت متابعة أزيد من ستين شخصا أمام القضاء.
المحاكمة ..السجن والاعدام والنفي
امتدت محاكمة منظمة “اليد السوداء من 22 يونيو إلى 5 يوليوز 1954، واتهم المعتقلون الذين تمت إحالتهم على المحكمة العسكرية بتأسيس “عصابة”. وكتب أحد محامي الدفاع عن المحاكمة بحسب ما جاء في سلسلة مذكرات من التراث المغربي:
وأدانت المحكمة المتابعين وأصدرت في حقهم أحكاما تراوحت بين 20 سنة سجنا نافذا والنفي، وقضت على أربعة متابعين بينهم الراشيدي بلإعدام، ونفذ فيهم الحكم بسجن العادر يوم 4 يناير من سنة 1954، وأثناء تنفيذ الحكم رفض الرشيدي وضع عصابة على عينيه وقال “لاتعصبوا عيناي، بل دعوني أرى للمرة الأخيرة سماء وطني الزرقاء”.
وبعد ستة أشهر من تنفيذ حكم الإعدام، وبالضبط في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 18 يونيو 1954، اقتحمت قوات الاستعمار منزل الشهيد محمد الزرقطوني بسيدي معروف بالدار البيضاء، وكان هذا الأخير قد وعد رفاقه بأن الفرنسيين لن يقبضوا عليه إلا وهو جثة هامدة، وقبل دخول الشرطة، ابتلع حبة سم، وما إن وصل إلى مخفر الشرطة حتى فارق الحياة.