خبير عسكري مغربي لـ “أفريقيا بريس”: هذه هي القراءات الأولية لانفجارات السمارة

57
خبير عسكري مغربي لـ "أفريقيا بريس": هذه هي القراءات الأولية لانفجارات السمارة
خبير عسكري مغربي لـ "أفريقيا بريس": هذه هي القراءات الأولية لانفجارات السمارة

حوار: مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. حتى قبل أن تظهر خلاصات التحقيق القضائي الجاري، تعددت التأويلات وذهب الخيال بعيدا ببعض القراءات الصحفية المتسرعة على المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، بحثا عن كسب السبق الصحفي من خلال استثمار حاجة الرأي العام إلى فهم ما جرى.

للتذكير، فقد أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون في بلاغ، أنه ثم تكليف الشرطة القضائية المختصة بإجراء بحث قضائي، إثر مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، نتجت عن إطلاق مقذوفات متفجرة استهدفت أحياء سكنية بمدينة السمارة الصحراوية فجر الأحد الماضي.

وأضاف البلاغ أن الوكيل العام عهد لفريق البحث بالقيام بالخبرات التقنية والباليستية الضرورية، للكشف عن مصدر وطبيعة المقذوفات المتفجرة. وخلص البلاغ إلى التأكيد على أن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالعيون سوف يحرص على ترتيب الآثار القانونية اللازمة على ضوء نتائج البحث.

وفي ضوء التزام السلطات الرسمية المغربية الصمت، بانتظار الانتهاء من التحقيق الجاري، اتصل “أفريقيا بريس” بالخبير العسكري والاستراتيجي باهي العربي النص، الذي يلم بتفاصيل قضية الصحراء لكونه أحد أبنائها، ولكونه أيضا ذو خلفية عسكرية مهمة في صفوف جيش جبهة البوليساريو الذي أحد كبار ضباطه، وأجرينا معه الحوار الهام التالي..

دعنا نسألك بداية، أستاذ باهي العربي النص، عن تصورك كخبير بالشأن العسكري حول ما جرى فجر الأحد الماضي بمدينة السمارة؟

تفاجأنا بخبر قصف استهدف مدنيين بمدينة السمارة. وحتى نكون دقيقين، الأمر يتعلق بانفجارات أدت إلى مقتل شخص وجرح ثلاثة أشخاص آخرين يبدو أنهم جميعا مدنيين. منذ اللحظات الأولى لانتشار الخبر، ساد نوع من الفوضى حملات تبنى لما جرى. ثم تابعنا كيف أن كثيرا ممن تبنوا الانفجارات عادوا بعد ذلك للتراجع وحذف منشوراتهم.

من خلال مشاهدتي لأشرطة الفيديو حول مخلفات الانفجارات من الحُفَر أيقنت بأن الأمر يتعلق بمقذوفات وليست ألغاما أرضية أو حطام جسم طائر، مصدرها من وراء الحزام الدفاعي. وما دامت المقذوفات قدمت من وراء الحزام فإنه لا بد من سلاح قام بقذفها في اتجاه هدفها، وينسجم مع الأثر الذي خلفه على الأرض. وهذا الاحتمال وارد، بحيث يمكن أن تقترب عناصر من الحزام الدفاعي وتطلق المقذوفات باستعمال أسلحة محددة. على رأسها وأول سلاح محتمل خطر ببالي هو منصة إطلاق الصواريخ من نوع غراد – بي، وتوجد منها عدة أنواع. منها الـ (غراد – بي) الأصلي الذي يصل مداه إلى ما بين 10 و12 كلم.

لكن بعض المصادر تشكك في هذه الرواية، وتقدم دليلا على روايتها كون أقرب نقطة بين الحزام الدفاعي ومدينة السمارة لا تقل عن مسافة 30 كلم…

حتى أكون واضحا وأصحح بعض المعلومات الخاطئة حول صواريخ الغراد، فإنها تطورت كثيرا وأصبح مدى بعضها يصل إلى 40 كلم. فقد تطورت الصواريخ، وفي كل مرة يتم إدخال تعديلات عليها كأن يتم الإنقاص من ثقل الصاروخ وتتم الزيادة في حشوة المحرك والمدى. وبالتالي فقد ظهرت نسخ مصرية معدلة من ذخائر صواريخ الغراد يصل مداها إلى 40 كلم، بينما مدى الذخائر التقليدية في حدود 26 إلى 30 كلم. لماذا دخلنا في هذه التفاصيل العسكرية الفنية؟ لكي نؤكد على أن الغراد هو السلاح الصاروخي الوحيد الذي يمكن له أن يقترب من الحزام الدفاعي، وبالتالي يصبح في مدى يسمح بضرب مدينة السمارة. ولا أعرف سلاحا آخر يسمح بذلك. هناك بالطبع أسلحة ثقيلة أخرى، لكن حجمها لا يسمح لها بالاقتراب من الحزام الدفاعي من دون أن يتم اكتشافها. وفي إطار شبه حرب العصابات الخفيفة التي تقوم بها البوليساريو حيث يحاول مسلحوها أن يتفادوا الكشف عن أنفسهم، لا يوجد في تصوري سلاح يستطيع أن يصل المدى المذكور من غير صاروخ الغراد، خصوصا إذا كانت ذخيرها من النوع المعدل حديثا والذي يبلغ مداه 40 كلم.

هذا أول انطباع تشكل لدي بعد أن شاهدت أشرطة الفيديو حول مخلفات سقوط القذائف، وزاوية سقوطها من خلال الآثار التي تركتها على الأرض. وهنا يطرح السؤال الأكبر نفسه: لصالح من تم القيام بهذه العملية؟

بالفعل. وفي انتظار نتائج التحقيق الذي باشرته السلطات المغربية في موضوع التفجيرات الإرهابية التي وقعت فجر الأحد الماضي بالسمارة، توجهت أصابع الاتهام أوتوماتيكيا نحو جبهة البوليساريو.. هل للجبهة حقا مصلحة في اقتراف جريمة ضد المدنيين في هذا التوقيت بالذات؟

إذا كان تنظيم جبهة البوليساريو هو الذي أصدر فعلا القرار بقصف مدينة السمارة، فإنه في تصوري يكون قد ارتكب خطأ في حق نفسه أولا، يوازي في خطورته الخطأ الذي سبق أن ارتكبه عندما اتخذ قرار الاقتراب من الكَركَرات قبل ثلاث سنوات، لسببين أو ثلاثة أسباب سياسية وعسكرية. يتمثل السبب السياسي في أن في مقدمة التحديات التي تواجهها الجبهة حاليا، هو ألا يتم تصنيفها حركة إرهابية. لأنه إذا حصل ذلك وصنفتها دولة من الدول كحركة إرهابية، سوف يترتب عن ذلك الكثير الكثير من التبعات في القانون الدولي: من متابعات لقادتها ومسؤوليها، والدول التي تساعدهم، الخ. ولذلك فإنهم في غنى عن ذلك، لأن الجبهة التي أعلنت الحرب على المغرب منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أمامها جبهة (مع المغرب) طولها 2000 كلم تنتشر فيها الوحدات العسكرية (المغربية)، وبدل أن تتواجه مع الجيش المغربي في إطار المجابهة “المقبولة” في إطار لعبة الحرب، تستهدف تجمعا سكنيا بالقصف العشوائي، فهذا سوف يجر عليها تبعات لا حدود لها ويشجع على تصنيفها كحركة إرهابية.

ولذلك فإنه في حال ثبت أن لجبهة البوليساريو علاقة بالتفجيرات التي طالت أحياء مدينة السمارة، فإن ذلك سوف يسهل كثيرا المساعي الجارية أصلا من أجل تصنيف الجبهة حركة إرهابية. فقد كثر الحديث عن علاقاتها بحركات مشبوهة، يمكن أن تقود إلى ربطها بالإرهابية في الساحل الأفريقي، في سياق مطالب صيادين إسبان للسمك بجزر الكناري الذين قتلتهم الجبهة في أعالي البحار (قبل عقود)، ولا زالوا يطالبون بتصنيف الجبهة حركة إرهابية.. وبالتالي أستغرب أن تأتي البوليساريو وتقدم هدية مجانية في هذا الاتجاه، من خلال استهداف تجمعات سكنية مدنية.

السبب الثاني وراء اعتقادي أن الجبهة تكون قد ارتكبت خطأ في حق نفسها في حال وقوفها وراء تفجيرات السمارة، عسكري. فبالتأكيد أن المملكة المغربية لديها خطط عسكرية محددة الأهداف تنتظر فقط اللحظة المناسبة لتنفيذها على الأرض، قد يتعلق الأمر بقصف أماكن حساسة، أو تأمين المزيد من الأراضي التي ما زالت تتحرك فوقها الجبهة (شرق الحزام الدفاعي المغربي)… هذه الأهداف العسكرية التي لم يُقدم الجيش الملكي المغربي على تنفيذها ليس لعدم قدرته على ذلك، بل فقط تفاديا منه لنوع من الإحراج لديه الذي قد يتبع ذلك، بسبب طابع “الوضع الراهن STATUT QUO” القانوني السائد في إطار مسلسل السلام. ولذلك، فإنه بمجرد ثبوت مسؤولية البوليساريو في استهداف المدنيين في عمق أراضي الصحراء المغربية بالحجة الدامغة، فإنها ستكون قد أعطت شيكا على بياض للقوات المسلحة الملكية لكي تتخذ إجراءات مضادة بكامل الحرية.

استنادا على كل ذلك، من الصعب تصور أن الجبهة —إذا كانت ما تزال تنظيما محكما— اتخذت هذا القرار من دون أن تكون واعية بتبعاته. وقد رأينا كيف نشر عديد المقربين من الجبهة وتبادلوا تسجيلات صوتية وأشرطة فيديو وتدوينات (تحتفي وتمجد بتفجيرات السمارة)، ثم سارعوا اليوم إلى مسحها وحذفها بطريقة سحرية. ومعنى ذلك أنهم استشعروا لمدى خطورة هذا الموقف.

هل يمكن أن تُحسب تفجيرات السمارة على امتدادات البوليساريو التي تناسلت بكثرة في الفترة الأخيرة؟

القراءة الثالثة التي لدي، وهي واردة أيضا بقوة، وتُذَكّرنا بما حدث قبل ثلاث سنوات بالكَركَرات، مفادها أنه نظرا للتفكك المتنامي في صفوف جبهة البوليساريو منذ سنوات، التي أصبحت تغوص في الفوضى الشاملة بدون تنظيم خاصة منذ المؤتمر الأخير، بسبب تآكل الآلة التي تتحكم في إدارة الجبهة ومجتمعها وجيشها وانتشار نوع من الفوضى في اتخاذ القرارات. وبالتالي، فإنه من الممكن جدا “الذئاب المنعزلة” وهو تعبير يستعمل للحديث عندما يصبح تنظيم سياسي عاجزا عن السيطرة على صفوفه، تظهر مجموعات أو أفراد يقومون بأعمال ويتخذون قرارات بدون الرجوع إلى المركز. وهذا ممكن جدا في حالة جبهة البوليساريو بسبب انتشار اليأس وخيبات الأمل في صفوف مناضلي الجبهة بشكل كبير، ووضعهم المزري وتسلط المتحكمين في مفاصل الجبهة، وتسلط البلد المضيف (الجزائر). وبالتالي فإن هذه الأوضاع يمكن أن تولد ظاهرة “الذئاب المنعزلة” التي تعد من أخطر ما يمكن أن يكون في المنطقة.

لأنه ما دامت اللعبة في المنطقة تجمع أطرافا إلى حد ما لديها عناوين بريد معروفة؛ الجزائر معروف أن مصدر القرارات فيها هو قصر المرادية، والمملكة المغربية معروف مصدر القرار فيها، وجبهة البوليساريو كانت تنظيما لديه رأس، فإن اللعبة يمكن التحكم فيها إلى حد ما. لكن عندما يسود التسيب وفوضى السلاح فإن ذلك يذكرنا بالصومال في فترة من الفترات ومالي في الفترة الأخيرة. وهنا مكمن الخطر على أهلها أولا (الجبهة والجزائر) ثم على كامل المنطقة بكل تأكيد. هذا احتمال ممكن.

لنتذكر في هذا الصدد بأنه في خريف 2020 قام مجموعة أشخاص من أتباع البوليساريو بالاعتصام في معبر الكَركَرات ومحيطه لتأمينه، فوجدت الجبهة نفسها مفروضا عليها أن تتبعهم، ما انتهى بهم في نهاية المطاف إلى خسارة الكَركَرات ولم يسترجعوها بعد ذلك. وعلى ذلك فإنه من الممكن أن تكون مجموعة من الشباب متحمسة وزادها حماسا ما تشاهده على القنوات في الشهور الأخيرة (هي التي تقف وراء ما جرى في السمارة).

ولذلك ننتظر حاليا صدور بيان عن الجبهة، إما تؤكد فيه مسؤوليتها أو نفيها عن نفسها. أما المملكة المغربية فأتوقع ألا تعلق قبل أن تنتهي من تحقيقاتها وتدرس الحادث الذي بالمناسبة تم توثيق كل حيثياته بحضور أفراد بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو). وبذلك فإن الكرة تقع الآن في مرمى من هو متهم بالمسؤولية عما جرى، الذي قد تصدر عنه رواية أخرى. فما تحدثنا عنه هو مجرد فرضيات.

نعلم بأن أخطاء جبهة البوليساريو كثيرة وكثيرة جدا. لكن إذا ثبتت مسؤوليتها عن تفجيرات السمارة فإنها تكون قد ارتكبت خطأ تاريخيا. ولذلك هي مضطرة للخروج عن صمتها، إما لتبني ما جرى أو نفي مسؤوليتها عنه.

بخصوص التحقيق الذي تباشره السلطات المغربية حول التفجيرات، أشارت بعض المصادر المغربية التي تعتبر عادة في حكم “المُطلعة”، إلى أن تكليف السلطات القضائية وليس العسكرية بالتحقيق، معناه أن مصدر الانفجارات من داخل التراب المغربي وليس من خارجه…

بالفعل، اطلعت على هذه المزاعم التي أستغرب لها. فمن المنطقى أن يتم تكليف الجهة ذات الولاية القانونية الإدارية بإجراء التحقيق في هذا النوع من الاعتداءات. وكون هذه الاعتداءات وقعت في مدينة السمارة التي تقع تحت الولاية القضائية والإدارية للعيون، يمنحها الصلاحية للتحقيق في ما جرى. وإذا تطلب التحقيق الاستعانة بخبرة الجيش، فإن الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالعيون لديه جميع الصلاحيات القانونية بهذا الخصوص. فالمكان الذي وقعت فيه الانفجارات هو منطقة حضرية (مدينة السمارة)، وسلطة التحقيق في ملابساتها بالتالي تعود للسلطات القضائية وليس العسكرية. فالتحقيق عند هذه المرحلة يبحث في وقوع ظروف الانفجارات وليس مصدرها، وجيشنا لا يتولى هذه الأمور.

من جهة أخرى، اطلعت على بعض المعطيات المتسرعة التي تزعم باستحالة أن يكون مصدر الانفجارات هو تخوم الحزام الدفاعي، لكون السمارة تبعد عنه مسافة 30 كلم. والواقع أن هذه المسافة كافية لاستهداف المدينة، إذا مهما كانت أجهزة الرصد والتتبع متطورة —خاصة بالنسبة إلى جغرافيا مثل جغرافيا منطقة تيفاريتي (المتاخمة للسمارة) — المواتية للتسلل، يمكن لجنود البوليساريو أن يتسللوا. قد يفشلون في تسع محاولات ثم ينجحون في العاشرة. بمعنى أن التسلل ليس مستحيلا. وإذا نجحوا في بلوغ الحزام الدفاعي، فإن الأسلحة التي يتوفرون عليها كافية لكي يطول قصفهم مدينة السمارة. هذه حقائق تؤكدها الخبرة العسكرية.

ولذلك فإنني أستغرب هذا النوع من التصريحات التي ربما تبحث عن توريط جهات من داخل المناطق الآمنة (في الصحراء المغربية) في هذه الانفجارات، مستبقة التحقيق الجاري.

بصدد التحقيق الجاري، وبالاستناد إلى خبرتك العسكرية، كم تتوقع أن يستغرق؟

التحقيق في حد ذاته ليس معقدا ويمكن القيام به في غضون أيام قليلة، حيث تُنجز خبرة باليستية في مكان سقوط المقذوفات من شأنه أن يكشف الجهة التي قدمت منها. وإذا كانت ثمة تسجيلات مرئية وأظنها ستكون متوفرة لوجود كاميرات المراقبة ستسمح بتحديد الفارق الزمني ما بين لحظة انطلاق الصواريخ التي ستكون قد رصدتها الرادارات، ولحظة سقوطها. وسيتم تحديد حتى المسافة التي قطعتها الصواريخ قبل بلوغ أهدافها… لكن عموما، هذه التفاصيل التقنية لا تتطلب وقتا كثيرا. ففي غضون أيام قليلة سوف تحدد الخبرة الباليستية للمحققين إذا لم يكونوا يعرفون بعد مصدر الصواريخ وجميع الملابسات المحيطة بها. لكن الإعلان عن خلاصات التحقيق سوف تخضع لاعتبارات سياسية، واختيار الوقت المناسب للإعلان عنها. بمعنى أن الأسباب التي سوف تؤخر الإعلان عن نتائج التحقيق أو تسرعها ليست تقنية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس