في اطار تعزيز عرفٍ سنويٍّ راسخٍ في المغرب، دأبت عليه مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد للثقافة منذ تأسيسها، نظمت ندوة سياسية دسمة، تناولت البحث عما إذا كان المغرب لا يزال يعيش مرحلة انتقال؟
المؤسسة التي تعنى بقضايا الديمقراطية والعدالة والمواطنة، وفاءً للقيم الأساسية التي جسدها رجل الدولة، المناضل الوطني والقائد اليساري عبد الرحيم بوعبيد (1922- 1992)، فضلت أن يأخذ تخليد ذكرى وفاة مهندس استراتيجية النضال الديمقراطي، ورائد مدرسة الإصلاح السياسي، شكل مساءلة فكرية لطبيعة المرحلة السياسية الحاملة أوجها بالغة التعدد والتناقض.
وخلال هذا اللقاء استحضر المشاركون ندوة تأسيسية كانت قد نظمتها المؤسسة نفسها في جانفي 1997 بشأن موضوع “الانتقال الديمقراطي عبر العالم”، وعرفت مساهمة كوكبة من علماء السياسة من قارّات مختلفة، وباحثين وفاعلين مغاربة، لكنها تميزت أساسا بانعقادها تحت رعاية مباشرة من الأمير سيدي محمد، ولي العهد آنذاك، والذي ألقى خطابا سياسيا بالمناسبة.
يسمح النظر اليوم، في سياق هذا الحدث المحاط بكثافةٍ في الرموز والدلالات، وفي متتاليات الأحداث والوقائع، وتطور التمثلات والخطابات والأفكار، خلال الفترة التي تفصلنا عن زمن انعقاده، بالمغامرة في القول إن مقولة “الانتقال الديمقراطي” نفسها، مغربيا، قد خرجت من معطف تلك الندوة المهمة، لتتحول، طوال عقدين بعد ذلك، إلى مقولة مهيكلة للحياة السياسية المغربية، ولجزءٍ مركزي من البلاغة السائدة في التداول العمومي.
وجدير بالذكر أن خطاب الانتقال الذي تقاسمته الأحزاب والنقابات والصحافة والمؤسسات يحمل رغبةً في ولوج عهد سياسي جديد، وتحقيق التغيير وبناء المصالحة، وتجاوز الماضي واحترام الحريات وحقوق الإنسان. ولذلك كان خطابا للإرادة والرغبات التي لم تسعفها دائما الشروط الواقعية المعقدة. ولذلك تحول “الانتقال الديمقراطي” لدى الأحزاب المغربية إلى ما يشبه استعارةً برنامجيةً بعيدة عن أن تشكل دائما مقولةً مطابقةً للمرحلة، وتحول لدى الصحافة إلى مصطلحٍ يلتقط كل شيء، يعبّر تارّةً عن التحول إلى عهد جديد، وتارّة عن مشاركة المعارضة في حكومة تناوب، وتارّة عن تحوّل ليبرالي، يهم مجال الحقوق والحريات، وتارة عن مسار تسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.