هل سئم المغاربة من وجود الأحزاب «الصغيرة»؟ سياسيون يتحدثون لـ «القدس العربي» عن «التعددية المفرطة» و«الدكاكين السياسية» و«المغالطة النظرية»

7
هل سئم المغاربة من وجود الأحزاب «الصغيرة»؟ سياسيون يتحدثون لـ «القدس العربي» عن «التعددية المفرطة» و«الدكاكين السياسية» و«المغالطة النظرية»
هل سئم المغاربة من وجود الأحزاب «الصغيرة»؟ سياسيون يتحدثون لـ «القدس العربي» عن «التعددية المفرطة» و«الدكاكين السياسية» و«المغالطة النظرية»

أفريقيا برس – المغرب. هل فعلا سئم المغاربة من وجود الأحزاب السياسية الصغيرة؟ وقبل ذلك، هل يحتاج المغاربة إلى هذا الكم من الأحزاب في غياب الكيف كما يشير بعض منتقدي العمل الحزبي؟

الجواب قد يبدو سهلا وفي المتناول، بمجرد كتابة وسم حزب سياسي في إحدى منصات التواصل الاجتماعي، تأتي التدوينات تباعا، وأغلبها ينتقد ويهاجم ويحمل المسؤولية لقيادات تلك الهيئات السياسية في العديد من مظاهر الحياة اليومية. بالنسبة لمعظم الرأي العام فإن وصف الأحزاب السياسية (الصغيرة) بـ “الحوانيت” أي (الدكاكين التجارية)، هو المتداول بكثرة، خاصة في فترة الانتخابات حيث تنشط فيها بعض الهيئات السياسية التي تدخل في سبات عميق ولا تستيقظ إلى على صوت الحملات الانتخابية.

فهل يحتاج المواطن المغربي إلى 33 حزبا سياسيا، الجواب يكون بالنسبة للمدافعين عن حرية الانتماء والممارسة السياسية الحزبية، بتأكيد أن هذا العدد لا يكفي لتأطير المواطنين، وهنا مربط الفرس، هل تنجز كل الأحزاب دورها التأطيري؟

الجدل وسط عموم المغاربة يحتد دائما، لكنه محسوم بالنسبة لفئة كبيرة، ويفيد بضرورة انتهاء الأحزاب الصغيرة وخاصة التي تصنف في خانة “الحوانيت” (الدكاكين)، والتي لا تقوم بمهامها في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، كما هو منصوص عليه في الفصل السابع من الدستور المغربي.

الفاعل السياسي اليساري والباحث، سامر أبو القاسم، قال متحدثا لـ “القدس العربي”، إنه “من المعيب اعتبار وجود أحزاب صغرى إلى جانب أخرى تتصدر المشهد السياسي هو من قبيل التأثيث فقط وتلميع الصورة بالنسبة للبلدان التي تقوم على مبدأ التعددية الحزبية. لكن من المعيب أيضا ألا يذهب التفكير النقدي في اتجاه التركيز على مدى التأثير الذي يمكن لهذه الأحزاب أن تحدثه في مسار التطور الديمقراطي داخل محيطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي”.

وأوضح أبو القاسم متحدثا لـ “القدس العربي”، أن “مفهوم الصغر والكبر في الأحزاب لا يرجع إلى مشروعيتها التاريخية أو النضالية أو قوة طرحها المذهبي والسياسي أو اقتراحها البرنامجي أو ضمها لكوادر عليا في مختلف التخصصات ذات الصلة بالعمل السياسي والتدبيري، بقدر ما يأخذ في الحسبان قدرتها على استقطاب الأصوات والحصول على عدد المقاعد داخل البرلمان وباقي المؤسسات المنتخبة، على اعتبار أن قوتها تقاس بميزان الانتخابات التي تلجها في إطار المنافسة مع باقي الأحزاب”. وبالنسبة لسامر أبو القاسم، فإن “الضرورة لا تقتضي القضاء على الأحزاب الصغرى من حيث المبدأ، والتي تكون في العادة قوة اقتراحية داعمة ومساندة للمشارب الفكرية والسياسية والاجتماعية الساعية لتشكيل قوة أغلبية داخل مجتمعاتها، بقدر ما تتطلب من الناحية العملية والميدانية الحيطة والحذر مما يمكن لهذه الأحزاب أن تلعبه من أدوار قَذِرَة في سياق عرقلة أي تقدم محتمل في مسار التنمية والدمقرطة والتحديث للدولة والمجتمع، وهذا هو بيت القصيد”.

الجدير بالذكر، أنه في تاريخ الممارسة الحزبية المغربية، هناك أحزاب لم تكن ممثلة سوى ببرلماني وحيد، مثل “التقدم والاشتراكية” أيام زعيمه المؤسس الراحل علي يعتة، أو “منظمة العمل الديمقراطي” في زمن الراحل بنسعيد أيت إيدر، ورغم ذلك كانت قوة اقتراحية وصوتها كان حاضرا ومسموعا، وساهمت في بناء المشهد السياسي المغربي، ولم توصف أبدا بالأحزاب الصغيرة.

ويؤكد أبو القاسم أن “الأحزاب الصغرى في الأنظمة الديمقراطية عادة ما اقترنت بتجارب أحزاب النخبة”، مشيرا إلى أن “الانتقال الذي عرفه المغرب من الصراع السياسي إلى المنافسة السياسية”، و”عدم تجديد الأحزاب لصيغ وكيفيات وآليات الاستقطاب والتنظيم والتوجيه، وعدم مراجعتها لأدبياتها المذهبية والسياسية والتنظيمية والتواصلية، وانخراط جزء كبير من الإعلام في نشر السلبية والسوداوية على الوضع الحزبي، ومشاركة بعض كوادر المجتمع المدني في سياق تبخيس العمل الحزبي، هو من جعل بعض الأحزاب الكبرى تتحول إلى صغرى بفعل الانشقاقات ومحدودية الاستقطاب، ودفع البعض ليتجرأ على إعلان تأسيس حزب صغير مثل ما يقع اليوم دون مبررات ولا مسوغات، وكأن الأمر لا يحتاج إلا إلى وصل قانوني ليس إلا والتفرغ للاستفادة مما هو موجود من ريع سياسي”.

وخلص إلى أن “الملاحظ اليوم، من خلال التجربة المغربية، هو أن التعددية المفرطة ليست مؤشرا صِحِيًّا لمشهدنا السياسي، بل مضر للديمقراطية من حيث التشويش على القدرة التنافسية للقوى السياسية، ومخل بالانسجام المطلوب في تشكيل الأغلبيات الساهرة على تدبير الشأن الوطني أو المحلي”، وأضاف موضحا “خاصة وأن العديد من الأحزاب الصغرى أصبحت تنمو كالفُطْرِ في حدائق الريع السياسي، دون أن يكون لها مبرر وجود”.

في سياق تأسيس أحزاب جديدة، تحدث عبد الحكيم قرمان لـ “القدس العربي” عن الأسباب التي دفعته بمعية كوادر سياسية عدة، إلى التفكير في تأسيس حزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، مؤكدا أن هذه المبادرة هي خطوة تأتي “بعدما حاولنا كمناضلات ومناضلين لعقود وسنوات خلت عبر اشتغالنا ونضالنا في مختلف مواقع وهيئات عدد من الاحزاب، وذلك بالعمل على تجديد الفكر والممارسات السياسية وتشبيب ودمقرطة العمل الحزبي الداخلي، والتأسيس لتصور حزبي حداثي اجتماعي ديمقراطي يكون أملا في وجوده كأداة للعمل الحزبي المتقدم”.

وبالنسبة للمنسق الوطني للهيئة التأسيسية لحزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، فإن تأسيس هذا الحزب اليساري الجديد، جاء بعد “انعدام الجدوى من الاستمرار في منطق التغيير من الداخل”، ويقصد الأحزاب التي كانوا ينتمون إليها قبلا، إلى جانب “المضي قدما بطرح مشروع سياسي متقدم لتجاوز الانغلاق التنظيمي والتكلس الفكري”، وأيضا “الحاجة إلى هيئة سياسية حاملة لمشروع نهضوي للعهد الرقمي ومجتمع المعرفة”، وفوق كل ذلك “ترهل وضمور الفعل الحزبي الملتزم والتباس معنى السياسة في الراهن”.

وأضاف قرمان إلى جملة الأسباب الداعية إلى تأسيس هذا الحزب الجديد، “ضرورة الاستجابة للتحديات المجتمعية الراهنة في التغيير نحو مجتمع العدالة الاجتماعية والمجالية”، وأيضا “القطع مع عقلية التسيير التقليدي للأحزاب بمنطق الشيخ والمريد”.

التنصيف بين “الصغير” و”الكبير” المتعلق بالأحزاب، علّق عليه عبد الحكيم قرمان يقوله إنه “في الواقع، لا يمكن الجزم بثبوت صحة الرأي القائل بأن هناك أحزابا صغيرة وأحزابا كبيرة”، واعتبر المتحدث “هذه مغالطة مفاهيمية ونظرية، بل أصبحت لدى البعض، مقاربة ايديولوجية لتبرير هيمنة الأحزاب العتيقة والتقليدية التي تسمي نفسها (أحزاب كبيرة)”، وتابع موضحا أن “الواقع يثبت بأن مجموع ما تمثله (الأحزاب الكبيرة) مضاف إليها ثلة من الأحزاب (المسماة صغيرة)، لا يتجاوز 10 في المائة من مجموع الكتلة الانتخابية، نظرا لظاهرة العزوف عن المشاركة وهزالة نسبة المصوتين في الانتخابات على (مرشحي تلك الهيئات الكبيرة في السن) وليس في المشاريع والبرامج والممارسة التدبيرية الشفافة والديمقراطية”. من جهته، أفاد عبد العالي معلمي عضو المكتب السياسي لحزب الخضر المغربي، بأن “المشكل ليس في عدد الأحزاب ولا في حجمها صغيرة أو كبيرة، بل في المشروع أو القضايا التي تتأسس من أجلها، ومع ظروف نشأتها”، لذلك “فليس هناك أي مشكل أو أي ضرر أو أي عيب في وجود أحزاب (صغيرة) إلى جانب أحزاب (كبيرة) فضرورة وجودها تفرضها القضايا التي تدافع عنها، وعلى سبيل المثال فحزب “الخضر بالمغرب” أو بأي بلد يعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة، لن يكون حزبا كبيراً، ولكنه قد يفرض على الأحزاب الكبرى استحضار موضوعة البيئة في برامجه وقد يحتاج إلى عقد تحالفات معه”

وأقر معلمي متحدثا لـ “القدس العربي”، بأنه “في الواقع المغربي الذي نعيشه ونعرفه وحتى في بعض الدول الجارة هناك أحزاب عبارة عن زمرة من العلاقات يقودها أحد المحظوظين يدينون له بالولاء، وقد نعتبره (حانوتا) (دكانا تجاريا) أو جماعة نفعية وليس حزباً، بالمعنى المتعارف عليه في علم السياسة”، واعتبر القيادي في حزب “الخضر المغربي”، أن “هذه (الحوانيت) (أو الدكاكين) تشوه العمل السياسي ونبل العمل السياسي كضمانة لاستقرار الأمم والشعوب والتداول حول القرار وحول توزيع الثروات وحول القيم المجتمعية الواجب إعمالها على أرض الواقع”.

وعبّر معلمي عن تحفظه “نوعاً ما على هذا التصنيف (أي صغير أو كبير)، لأنه تتداخل فيه عدة عناصر أو عوامل”، مبرزا أنه لا ينحاز “إلى أي تصنيف لأي حزب على كونه كبير عدديا أو تاريخيا، أو بالنظر إلى نتائجه الانتخابية أو بقوته الاقتراحية، لأن كل هذه المعايير تتغير مع الظروف ومع تطور الأوضاع، والتاريخ لا يرحم أحداً والأوضاع في العالم تتعقد وتزداد تعقيداً، واستقلالية القرار في دولة ما أصبحت تتقلص بشكل متصاعد، إن لم أقل بأنها أصبحت شبه منعدمة”. وأعرب القيادي في حزب “الخضر المغربي” عن اعتقاده بأن “الواقع الحالي بالأفق المنفتح عليه، والذكاء الاصطناعي وشبكات التواصل الاجتماعي، يفرض ثورة جديدة على الظاهرة الحزبية”، وأضاف قائلا “أنا مقتنع أنه في غضون بضع سنوات، قد نعيش نشأة أحزاب افتراضية، وقد يقاس حجمها (باللايكات)، وقد تتصارع من أجل الاعتراف بها قانوناً، ولنا أن نتصور ما ستؤول إليه الأمور في تدبير الشأن العام”، متمنيا “ألا يحدث ذلك”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس